مطالب الشعب وأضحوكة الاستجابة


ثمة طريق واحد لكنه محفوف بالموت ، لا أتصور هناك طريق يؤدي الى الحرية وارضاخ المتمردين غيره ، إنه طريق الميداين والساحات ، فما تفعله كلمة واحدة من أفواه الشباب هناك خير من ألف مقال ، وما كتبناه عبر الانترنت ضد الفساد لسنين طويلة بلغ عنان السماء لكنه عاد لنا بخفي حنين ، وبعد ثلاثة أيام من إعتصام الشباب في الساحات تهاوت عروش الغطرسة وزالت كواعبها الموثقة على أفواه الشباب ، وسقطت زعامات الفساد ، وغيرت الحكومة في اسبوعين ما كانت تكابر في تغييره أربعين سنة .
الاوغاد يتربصون في الفيس بوك والمنتديات كتربصهم لهلال العيد يخترقون حسابات الشباب والمجموعات ، في الحقيقة هم في غاية الحماقة ، لأنهم كمن يخربون بيوتهم بأيديهم وأيدي المؤمنين ، فهم لا يستطيعون اختراق كريات دمهم الحمراء أو حتى البيضاء التي هي أساس الغضب والثوران ، لا يستطيعون تكميم أفواه الشباب في المجالس والمقاهي ، لا يستطيعون سد آذان الناس من سماع الواقع المخزي الذي يعيشونه ، ولا تغطية اعين الناس عن رؤية الحق الذي هو أوضح من الشمس في رابعة النهار إذن قاتلكم الله أنى تؤفكون ؟
الناظر لحال الانظمة العربية التي سقطت ، يلمس بأن الله وجهها الى الأسباب التي اطاحت بها ، في حين انها تعتقد أن هذه الاسباب هي الاسباب المثالية التي تعصمهم من سقوط كراسيهم ، ولكن بعد فوات الاوان أدركوا أنه لا عاصم اليوم من أمر الله ، فلو خرج حسني مبارك من اول يوم الى الناس واستقال لما آل به الحال الى هذا الذل والهوان ، ولو خرج القذافي الى شعبه بكلام ودود حاني لا بخطبة رعناء شبه بها العباد بالجرذان لما فر هو الآن كالجرذ ، ولو اختلى كل رئيس مع ربه اراد شعبه اسقاطه وتاب وأناب لألهمه ربه مراشد أمره ما يحول بينه وبين شر شعبه ، لا أن يحرض بين القبائل حتى يلوذوا عنه في القتال ما بينهم ، إلى أن قصف في مكان العبادة وأنجاه الله ببدنه وجعله عبرة لمن بعده .
غريب امرهم !! في الوقت الذي هم فيه أوحج ما يكونوا الى ربهم لإخراجهم من أشد أزمات حياتهم ، فهم يلجئون إلى الطاغوت اللئيم وأفكاره المهلكة وحلوله المردية .
للأسف لا نرى من هذه العبر و الدروس التي اطاحت باقوى الانظمة الامنية والعسكرية من أجل أن تستفيد الانظمة الباقية أي مزدجر ولا متعظ ، ولا رجل رشيد ينظر بنظرة مختلفة يدرك خلالها أن ما أطاح ببن علي ومبارك ومعمر وصالح هو ظلمهم الذي استفحل و استوجب التدخل الرباني الذي قصمهم قصمة لن ينهضوا بعدها أبداً ، ولو كانت هذه النظرة موجودة عند مقامات اتخاذ القرار ، لما سلكوا نفس المسلك وما أشبه البارحة باليوم ولكن علها الارادة الربانية تخبئ للأمة أمراً ، ولعل الله سبحانه يريد أن يهيئ الأمة لعهد جديد و مرحلة اخرى لا تكون الا بتصفية كل الطواغيت ، فلذلك يمدهم في طغيانهم يعمهون حتى تتحقق أسباب النصرة .
إبان ذروة الاعتصامات المباركة التي شهدتها عمان الحبيبة وبعد أن تم التعامل مع مطالب الشباب – وأأكد على كلمة الشباب ، لأني لم أجد سوى الشباب ، الشيوخ ملئت كروشهم اموال الديوان ، العلماء لا أدري ما هي مشكلتهم ، الفئة المتعلمة والمثقفة ظنت أن امكانياتها أعلى بكثير من مستوى هذا التظاهر الشعبي الذي سواده الأعظم من العامة ، فما بقي الا الشباب البسيط وبعض المثقفين المنصهرين في بوتقة الشعب ومطالبه العامة لا كما تقول الفكرة التي روج لها بعض الحاسدين بأن لديهم مطالب فئوية لأجندة خاصة تهوي بالبلد الى مهاوي الردى – بعد أن تم التعامل مع مطالب الشعب بشيء من الاستغفال ، وكأن الشعب عبارة عن مجموعة من الأطفال كانوا يبكون من الجوع فأعطوا كل واحد مصاصة تلهيه حتى يسكت وينسى البكاء ، هذا بالضبط ما تم فعله ، فلو نظرنا الى مطالب الشباب والتي تمثل مطلب كل مواطن بإستثناء الدستور التعاقدي الذي أصبحت أستسيغه مؤخراً ولو تمت فلترته بالشرع الحنيف لكان مقبولا ، فقد كانت تنادي به الفئة المدركة لأهمية وضع نظام يتيح لدائرة اتخاذ القرارات المصيرية للتوسع حتى تشمل الشعب بأسره ..
على أية حال المطالب كانت تتمحور في :
1 – فتح ملف للتحقيق في مقتل الشهيد الغملاسي . وقد صدرت أوامر سامية للبت في هذا الموضوع والامر حتى الان في غاية الغموض حتى بالنسبة لذويه ولا احد يعلم إن كان هناك أي متابعة للقاتل أما لا ، بيد أن الإدعاء العام يستعرض عضلاته المفتولة بتوزيع رسائل نصية حول ما ارتكبه من سماهم بالمخربين والمحرضين وفي النهاية يحكم القضاء بالبراءة على معظمهم .
2 – إقالة كافة الوزراء . وقد تم تغيير البعض منهم ولا أحد يدري ماهية وضعهم الآن ، فالروايات التي تتردد في الأسواط الشعبية كثيرة جدا منها ما يقول بأنه لا زال البعض منهم موجود على رأس عمله وقد شوهد بزيّه العسكري أكثر من مرة .
3 – فتح ملف للتحقيق مع المفسدين من المسؤلين والوزراء . والذي تقدم له بعريضة للإدعاء العام والموقع عليها سبعة الآف مواطن , وهذا المطلب سوف يحدد مدى مصداقية استجابة المطلب الثاني ، ولكن كما يعلم القارئ ما آلت إليه تلك العريضة .
3 – تعديل النطام الاساسي للدولة بما يتوافق مع اقرار الدستور التعاقدي . وقد صدر مرسوم سلطاني يقتضي بتشكيل لجنة تقوم بتقديم تصور بعد ثلاثين يوم من تشكيلها ، وقد مضى على المرسوم اكثر من خمسة أشهر وعين القارئ الكريم ما تشوف الا النور .
4 - رفع صلاحيات مجلس الشورى . والذي سمعنا بصدده جعجعة ولم نرى طحينا .
وغيرها من المطالب الجوهرية التي لا تحضرني ، ولكن القصد من طرح بعض المطالب حتى يتبين للسادة القراء مدى هشاشة الاستجابة والإلتفاف على المطالب بقدر ما يهدئ من غليان الشارع الى ما بعد فض الاعتصامات وحينها تستطيع الحكومة في تصورها السيطرة على الوضع باحكام القبضة الامنية ، ومنع الشباب من الرجوع الى الاعتصامات بأي شكل من الأشكال ، وقد ساعد على ذلك بعض المثقفين الذين انقلبوا رأسا على عقب في ليلة وضحاها واصبحوا ينادون بفض الاعتصامات واعطاء الحكومة فرصة للعمل في مناخ مناسب لاستجابة المطالب .
الآن وقد مضى على فض الاعتصامات اكثر من اربعة اشهر فلا يوجد ما يلوح في الافق أي بوادر لتحقيق المطالب الشعبية ، بل كل يوم يأتي يثبت بأنه لا توجد أي نية للاستجابة ، وهذا ما يجعل الشريحة المعارضة للاعتصامات التي تحسن الظن بالحكومة وتثق بها تشعر بخيبة الامل وفقدان الثقة مما يجعلها تنظم الى صفوف المعصمين ، وهذا ما نراه في الواقع ، فكم من شخص كان يدافع عن الحكومة بضراوة ويرفض حركة الاعتصامات مع ماحققت له من فائدة بل يكيل على المعتصمين شتى عبارات التنكيل والتحقير ، ولكن الآن بعدما بانت له أكباد الحقيقة فقد غير موقفه تماما .
مايفعله الاعلام وهو له الدور الكبير في توغير حالة الغضب في صدور الناس من محاولة لتلميع صورة الحكومة ولو على حساب تجاهل مظالم المواطن لم تزيد الامور الا تعقيدا . يقال أن لكل مشكلة حلان : سطحي و جذري ، السطحي كلفته بسيطة لكن عيبه أنه مؤقت ، والجذري كلفته عالية لكنه دائم ، طبعا الحكومة اختارت السطحي لأنه أسهل ، وقد قام الأعلام بمهمته المعهودة بتعظيم و تمجيد هذه المبادرة ، فليعذرني أخي القارئ على هذا المثال : (مردم النفايات) ، فلو جئنا بسيل من العطر الفاخر وصببناه على هذا المردم ، فلا يمنع خروج راحته الكريهة الا فترة وجيزة ، ولكن لو اجتهدنا وأخرجنا كل النفايات منه وقمنا يتنظيف الأرضية وزراعتها بالورود والياسمين لما إحتجنا لأي عطر فالروائح الطيبة ستخرج من تلقائيا .
إذن في ظل المعطيات فإن المستقبل يشير الى أحداث خطيرة تمر بها البلد ويخشى أن يتم التعامل معها كما تعاملت الحكومات العربية مع شعوبها ، لأن العنف لا يولد الا عنف ، والشباب إذا خرجوا مرة أخرى لن الموجودة يكتفوا ب(دهان عمات) كما يقول المثل العماني .




ابوسعد الاغبري

0 التعليقات:

إرسال تعليق

Twitter Delicious Facebook Digg Stumbleupon Favorites More

 
Design by Free WordPress Themes | Bloggerized by Lasantha - Premium Blogger Themes | Walgreens Printable Coupons | تعريب وتطوير : قوالب بلوجر معربة